"تقول الأسطورة التي وجدتها بين أشواك الصبار والبطم إن البرتقال طالما ولد مرّاً، حتى وقعت إلهة في عشق ألوانه وعطره، فجعلته حلواً لتأكله. لكن بعضه تمرد أو استعصى على الحب، ولم يتخل إلى اليوم عن مرارته”. خلطه سريه بين الضياع والفقد والغياب، والأحداث رهينة بانتظار ما لا يأتي ومن لا يجيء. الأمر لا يخصّ فقط وجبات الطعام ووصفات الطهو، وإنما يخص بشراً، بالمثل. فهناك تيم، الرجل الغائب، الذي تكاد تؤجل موعد اللقاء به، وهناك كذلك الطفل الرضيع الذي أضاعته أمه الكردية واختفت هي الأخرى بحثاً عنه، عشقها لموروثها الشعبي، وهو شغف تخمّر مثل رغيف خبز بلدي لينضج كما نضجت غواية الخبز، التي تعلمتها من جدتها، وكأنها كانت تسلمها أحد مفاتيح الحياة بزهدها ودنيويته.لوهلات - أثناء القراءة - حين يبرز خجل سرد فتاة عربية حملت سذاجتها معها وأفكارها البريئة من القرية التي أنجبتها، وما كانت لتُنشيء عالمها الموازي إلا لإحياء التاريخ، وليس لإثارة شهوانية القارئ. تنظيم الرواية في فقرات قصيرة مريحة للقارئ، وكأنها أوراق شجرة كبيرة، الكلمات فيها ألوان والتعابير مزيج من ألوان تعبر عن مفهوم بألوان مختلفة، وهذا ابداع فني في صياغة المفاهيم والمعاني عامة، عندما تكون الكلمة لوناً فان قلم الروائية يتحول الى ريشة فنان مبدع. ألوان التعبير تستوقف القارئ ليعيد القراءة بتذوق وإعجاب، خاصة وأن إبداعية التعابير في الرواية توازي مختصر الأفكار والأمثال، مثلما تتحول بعض أبيات الشعر إلى حِكَمٍ وأمثالٍ دارجة، كذاك البيت للمتنبي: إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أن الليث يبتسم و. الذي أصبح مثلاً على جميع الالسن الناطقة بالضاد. اللوحات التعبيرية في هذه الرواية كثيرة وغنية، والقارئ يجد نفسه يهيم في مدينة جميلة بالجمال ذاته، مدينة غنية بأحجارها الكريمة، كل خطوة يخطوها في هذه المدينة هي خطوة وقوف عند محطة، حيث تشده تلك المحطة الى بنيانها المعماري الفريد ومحتواها الأصيل.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة