Dr. Jekyll and Mr. HydeDr. Jekyll and Mr. Hyde by Robert Louis Stevenson
My rating: 4 of 5 stars

الدكتور جايكل هنا انسان شرير في طبعه. كل ما في الأمر انه يعرف كيف يخفي شره. المطلوب، يا عزيزي، هو أن تجعل منه انساناً طيباً في طبيعته، يحدث له أن يكشف عما في داخله من قسط من الشر يعجز عن السيطرة عليه». وتقول الحكاية ان ستيفنسون أعمل الفكر من فوره في ما قالت زوجته، ثم انغلق على ذاته في غرفته ثلاثة أيام عمد خلالها الى اعادة كتابة الرواية من جديد، مغيّراً من طبيعة الشخصية الرئيسة فيها. وهذه النسخة الجديدة هي التي نشرت على الفور يومذاك، محققة نجاحاً ساحقاً إذ بيع منها أكثر من 40 ألف نسخة في أسابيع قليلة، وراحت بعد ذلك تترجم الى الكثير من اللغات، ثم اقتبست الى المسرح، ثم الى السينما في القرن العشرين. وأضحى ازدواج شخصية بطلها الدكتور جايكل مثالاً يحتذى، وحالاً جديرة بالدراسة. كيف لا، وقد قال الباحثون منذ البداية إن تلك الازدواجية هي احد المكونات الأساسية لكل نفس انسانية؟!

> ولكي لا نستبق الأمور، قد يجدر بنا، هنا أولاً، التوقف عند احداث هذه الرواية الغريبة، التي قال عنها أحد كبار الباحثين، انها أشبه بمرآة كاشفة وضعها ستيفنسون، ربما من دون أن يدري، أمام كل انسان لتكشف له حقيقته. ولعل هذا هو العنصر المرعب، في «دكتور جايكل ومستر هايد» أكثر من أي عنصر آخر.

> المكان، لندن الكئيبة المظلمة. والزمان، أيام ستيفنسون، ذات ليلة بدت كئيبة أكثر من أية ليلة أخرى. والمشهد الذي يطالعنا منذ البداية هو مشهد رجل أحدب قميء قبيح الى درجة مخيفة، أقرب الى أن يكون قزماً، يسير بخيلاء في زقاق جانبي خال من المارة. وهو ، خلال سيره، يرسم بعصاه في الهواء أشكالاً غريبة تبدو مرعبة لمن يراها. في الوقت نفسه ثمة فتاة صبية تركض في زقاق آخر يتقاطع مع الزقاق الأول، من دون أن تتنبه الى العابر الآخر. تركض وهي على عجلة من أمرها مرتعبة. وإذ تصل الى زاوية الزقاقين، يحدث ما كان لا بد له من أن يحدث: تصطدم الفتاة بالأحدب القميء ويقع الاثنان أرضاً. فور الوقوع ينهض الرجل ويسير فوق جسم الفتاة من دون أن يعبأ بها، فيما هي تصرخ رعباً وألماً. هنا يهرع بعض المارة الذين كانوا شهوداً على ما حدث ويقبضون على الرجل، خائفين مندهشين من قبحه. وهو على الفور يعلمهم انه يدعى السيد هايد، ويقول لهم انه لا يحب المشكلات، لذلك يقترح ان يدفع للفتاة مبلغاً من المال على سبيل التعويض عن الأذى الذي تسبب به. ثم، أمام الجمع الذي فوجئ بذلك، يملأ شيكاً يحمل توقيع واحد من أهل المدينة المرموقين: الدكتور جايكل.

> ترى، ما هي العلاقة بين ذلك «الوحش» وبين الدكتور المعروف بعلمه وأخلاقه القويمة وطيبته؟ ولماذا عمد الدكتور الى كتابة وصيته، ووضع أمواله، في تصرف ذلك الشخص الذي يثير الرعب والاشمئزاز لدى كل من يدنو منه أو يراه؟ تنتشر هذه الأسئلة في المدينة، ويبادر الكاتب العدل آترسون الذي تنامى اليه خبر ذلك كله، الى الاهتمام بالأمر، لأنه - قبل أي شيء - صديق حميم للدكتور جايكل، ولأنه - انطلاقاً من وضعه القانوني - يدرك ان ليس ثمة أي تزوير في الأمر، فالتوقيع توقيع جايكل، وثمة أوراق قانونية تثبت قدرة الوحش، فعلاً، على التصرف بأموال الدكتور. فهل ثمة، في الأمر، إذاً، نوع من الابتزاز؟

> وهكذا ينصرف آترسون الى التحقيق في الأمر. لكن الوصول الى الحقيقة لم يتبدّ سهلاً، ولا سريعاً... وخلال ذلك يكون الوحش هايد قد تمكن من قتل الكثير من الأشخاص، ولا سيما بين النساء العجائز والصغار. وفي نهاية الأمر طبعاً، يتوصل آترسون الى الحقيقة المرعبة. الى تلك الحقيقة نفسها التي «شاهدها» ستيفنسون في كابوسه، وكانت زوجته أول من شعر بالرعب إزاءها إذ كانت أول من قرأ النسخة الأولى - الأكثر رعباً - في الرواية.

> الحقيقة التي اكتشفها آترسون، بمعاونة صديقه واينفيلد، قالت ان الدكتور الطيب والعالم الجليل جايكل أذهله اكتشافه الفلسفي ذات يوم لواقع انه في داخل كل فرد منا يتعايش كائنان، واحدهما طيب والآخر شرير. فما كان منه إلا ان انصرف الى محاولة الفصل، جسدياً، بين الكائنين. وهو يعثر على وسيلة ذلك: امتصاص مادة كيماوية، يمكن بفضلها المرء أن يكون، وفق ما يشاء، مرة طيباً ومرة شريراً. وهكذا، إذ يطبّق التجربة العلمية على نفسه، نراه يتحول الى المستر هايد، ثم يعود بفضل المادة الكيماوية، دكتور جايكل من جديد. ولأن الدكتور شديد الحذر، يخشى أن يعجز مرة عن أن يعود طيباً لسبب ما، يكتب وصيته لمصلحة مخلوقه الشرير السيد هايد. ويروح هذا، في ليالي لندن العتمة وشوارعها البائسة يتجول ممارساً شروره. وكانت هذه الحقيقة إذ اكتشفها آترسون دافعاً لتحركه. وهكذا، إذ يطرق واينفيلد على باب الدكتور جايكل ذات ليلة، لا يجيبه أحد. فالواقع ان هايد عجز في الداخل عن أن يعود جايكل من جديد. ودار صراع داخل هذا المخلوق قرر على أثره ان يحبس نفسه في الداخل غير عالم بما عليه أن يفعل. وحين يدخل واينفيلد وتنكشف حقيقة الدكتور، يفضل هذا الأخير أن يقتل نفسه على أن يعيش شريراً بقية حياته.

> منذ قرأ الناس، هذه الرواية مرعوبين، أدركوا انها عمل يتحدث، وربما للمرة الأولى بتلك القسوة وذلك الوضوح، عن الصراع بين الخير والشر داخل الفرد، عن ذلك الانفصام الذي يعيشه الانسان. وقبل ذلك كان الشر، والخير يمثلان في الأدب عبر صراع بين أفراد بعضهم شرير وبعضهم خيّر. وكان من الصعب على المرء أن يتصور أن العنصرين في داخله. ومهما يكن، فإن الرواية إذ تنتهي بقتل هايد نفسه خوفاً من ديمومة شرّه، كانت مطمئنة بعد إقلاق وإرباك، حتى وإن كانت قالت في طريقها ان الشر مصدره الذكاء، ومحاولة المخلوق ان يتشبه بالخالق.

View all my reviews

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة