
My rating: 4 of 5 stars
"من بين كافة الأشياء التي تجلبها لنا الحكمة لنعيش بسعادة، لا شيء أكبر وأكثر خصبا وأكثر عذوبة من الصداقة"
أبيقور.. فيلسوف اللذة
على غير عادة الفلاسفة -الذين اهتم أغلبهم بكيف يكون المرء صالحا وخيّرا- اهتم الفيلسوف اليوناني أبيقور الذي ولد عام 341 ق.م. بالمتعة الحسية، فكان يرى أن "اللذة هي منطلق وغاية الحياة السعيدة"، يقول: "لا أعلم الطريقة التي سأدرك فيها الخير لو أقصيت لذائذ التذوق ولذائذ الجنس ولذائذ السمع، والمشاعر اللطيفة التي تحفزها رؤية الأشكال الجميلة". يقال إنه ألّف ما يقرب من 300 كتاب في مجالات متعددة منها الموسيقى والحياة البشرية والطبيعة، لكننا فقدنا معظمها في سلسلة من الحوادث المؤسفة عبر التاريخ.(2)
كيف طبق مسلسل "فريندز" فلسفة أبيقور حول الصداقة؟
مجموعة من الشباب مختلفي الشخصيات والاهتمامات، يلتقون باستمرار في شقة بسيطة ومقهى، يتشاركون نجاحاتهم وخيباتهم في الحياة المهنية والعاطفية. سماتهم الشخصية المختلفة والمتنوعة وعشرات المواقف والمشكلات التي يمرون بها تجعل من الصعب ألا يتماهى المشاهد مع شخصية من هذه الشخصيات أو موقف من المواقف التى يتعرضون لها.
الصداقة مقابل وهم الحاجة إلى علاقات رومانسية
عندما بلغ أبيقور الخامسة والثلاثين، قرر الشروع في تنفيذ فكرة "العيش محاطا بالأصدقاء"، فأخذ منزلا كبيرا على بُعد عدّة أميال من أثينا وانتقل إلى السكن فيه مع مجموعة من الأصدقاء، "انضم إليه مترودوروس وأخته، وعالم الرياضيات بوليانوس، وهرماركوس، وليونتيوس وزوجته ثيميستا، وتاجر يدعى إيدومينيوس (الذي تزوج أخت مترودوروس بعد فترة وجيزة)"، كان المنزل واسعا حيث يمكن لكل شخص أن يكون له غرفة خاصة به، كما يوجد مساحات مشتركة لتناول الطعام وجلسات تبادل الأحاديث والسمر، إذ أوصى أبيقور أن على المرء أن يحاول أن لا يأكل وحده قدر ما يستطيع، يقول: "إن تناول الطعام من دون رفيق يشبه حياة الأسد والذئب".(8)
عندما يمر أحدهم بمشكلة فإنه يجد نفسه محاطا بأصدقائه، يتناقشون ويفكرون بالحلول المتاحة، ويُهدّئون من روعه، بطريقة مضحكة وساخرة وبالكثير من الحب. يأكلون معا، ويخططون لقضاء الإجازات معا، ويواجهون الحياة بكل تقلباتها معا. هذه الصحبة الداعمة، والباعثة على الطمأنينة، وأجواء الألفة والبساطة التي تسود الحلقات، تجعل من السهل أن يتخيل المشاهد نفسه صديقا سابعا لهم. لكن الفكرة التي يدور حولها المسلسل ربما لم تكن جديدة وعصرية بالدرجة التي نتوقعها، فمنذ أكثر من 2300 عام تنبأ أحدهم بتلك المتعة التي تمنحها "الصداقة"، حيث جمع أصدقاءه ليعيشوا معا في منزل كبير بحديقة، ونشر من هذا المنزل فلسفته التي تَعتبر "الصداقة" جوهرها.
وللصداقة ميزتان: أنها تسمح بالتعاون والتضامن في مواجهة الأزمات، وكونها توفر لذة العيش معا والتمتع معا. فالأصدقاء الحقيقيون لا يطلقون علينا الأحكام بمعايير مادية، لكنهم في المقابل يهتمون بالجوهر، مثل والدين محبين لا يتأثر حبهما لنا طبقا لمظهرنا، أو مكانتنا الهرمية والاجتماعية، "وبذا لن نخشى من ارتداء ملابس قديمة أو الاعتراف بأننا جمعنا مبلغا ضئيلا هذا العام".(11) تشترط الصداقة إذن "النزاهة والحب والعطف" لكي تكون حقا مصدرا للذة والسعادة، فنتمتع بمتع أصدقائنا كما لو أنها متعنا الخاصة ونحزن لحزنهم كما لو كنا مكانهم. لذلك يعمل الحكيم على الحد من أنانيته الطبيعية لكي يتمكن من الشعور بمتعة الصداقة.(12)
"لن نكون موجودين ما لم يكن ثمة أحد يرى أننا موجودون، وما نقوله لا معنى له ما لم يفهمه أحد"(6)
View all my reviews
تعليقات
إرسال تعليق